م. يوسف محمد مراد الجابر
ماجستير الطاقة والموارد
التاريخ: ٢٤-٦-٢٠١٦
في هذا الجزء سنركز على الإيجابيات والسلبيات لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، فقرار الخروج له دوافع ذكرناها في الجزء السابق نلخصها هنا: أولا الوضع الديموقراطي المتدني للاتحاد الأوروبي، ثانيا البيروقراطية وتأخر اتخاذ القرارات، أخيرا عدم القدرة على التحكم في الهجرة الداخلية من دول الاتحاد الأوروبي إلى بريطانيا، بداية سنبدأ بالإيجابيات والتي تنصب في مصلحة السياسيين والتجار.
السياسيين في بريطانيا كسبوا بشكل كبير من خلال هذا القرار فقد أصبح بإمكان السياسي البريطاني أن يطرح أفكار مستقلة حتى وإن خالفت توجه الاتحاد الأوروبي. وأصبحت السياسة البريطانية حرة في رسم اتفاقيات مع دول العالم دون الرجوع لموافقة الاتحاد. وعليه فسنجد في المستقبل القريب حضور بريطاني أقوى على الساحة السياسية الدولية.
أما التجار فقد خسروا كثيرا تحت الاتفاقيات الأوروبية حيث أن التنافسية كانت ضدهم، فنجد أن المنتجات الأوروبية الغذائية والصناعية كانت تنافس البريطانية جودة وسعرا في بريطانيا وأوروبا بسبب أن نظام الضرائب موحدة. أما الآن فسنجد بريطانيا تفرض ضرائب على المنتجات المنافسة حتى تقلل من تنافسيتها مع البضائع البريطانية وسيتجه الأوروبيون وغالبا البريطانيون أيضا إلى تصدير منتجاتهم لدول العالم بدلا من إبقائها في أوروبا (خبر جيد لآسيا ودول الخليج). وعليه فإن التجار البريطانيون سيستعيدون سيطرتهم على السوق البريطانية الضخمة.
أما النتائج السلبية فسيتحملها الشعب والذي بدأ بافتقاره من خلال هبوط الباوند مقابل الدولار (راجع المقال السابق). فستجد البضائع ترتفع في أسعارها الداخلية و القوة الشرائية للمواطن البريطاني تنخفض في مقابل ارتفاع أسعار البضائع بسبب الضرائب. الإيجابية الوحيدة للشعب هي فرص العمل التي ستتاح مع التضييق على الأوروبيين وهجرتهم إلى بريطانيا وبالتحديد مدينة لندن. ولكن لا تزال هجرة الغير أوروبيين مفتوحة وتتحكم بها الحكومة البريطانية.
عدد سكان بريطانيا يقدر بحوالي ٥٥ مليون نسمة منهم ٨ ملايين مهاجر أي تقريبا ١٤.٥٪ من السكان. فهل هذه النسبة كانت فعلا مخيفة للشعب البريطاني وأقنعتهم بأن الخروج من الاتحاد الأوروبي مهم وأساسي؟ في رأيي الشخصي بأن السياسيين والتجار البريطانيين كسبوا في لعبتهم وخسر الشعب البريطاني في قرار الخروج من الاتحاد الأوروبي. أما الاتحاد الأوروبي فالسلبية الوحيدة له هي دفع بعض السياسيين الطامحين لتحقيق مكاسب شخصية في الدول الأعضاء لدولهم بأن يسلكوا طريق بريطانيا للخروج من الاتحاد الأوروبي، وهو أمر لن يكون سهلا ولكن سيسبب عدم اسقرار سياسي واقتصادي في الاتحاد الأوروبي ولكن سيدعم إصلاحات قادمة في نظام الاتحاد وقواعده للحد من هذه التحركات.
نكتفي بهذا ونتنمى أن تكون فكرة المقالين واضحة.
الكاتب:
م. يوسف محمد مراد الجابر
ماجستير الطاقة والموارد
التاريخ: ٢٤-٦-٢٠١٦
من المؤكد بأن جميع وسائل الإعلام في العالم تتناقل اليوم خبر خروج بريطانيا (المملكة المتحدة) من الاتحاد الأوروبي. وهو خبر مهم وله تأثير كبير على منطقة اليورو وعلى بريطانيا، حيث أن التصويت انتهى مع ٥٢٪ نسبة تأييد للخروج مقابل ٤٨٪ للبقاء. علينا أولا تذكر بأن بريطانيا هي دولة عضو في الاتحاد الأوروبي ولكنها لا تعتمد اليورو كعملة للبلد فهي ليست محسوبة من ضمن دول منطقة اليورو (Euro Zone)، وبريطانيا ليست الوحيدة في ذلك فعدد دول الاتحاد الأوروبي ٢٨ دولة عضو منها ١٩ دولة فقط تعتمد اليورو كعملة أساسية للبلد.
بداية يجب أن نلاحظ الفرق الضعيف في نسبة التصويت والتي تدل على أن قناعة الشعب البريطاني بالخروج ليست قوية، حيث أن الخروج من الاتحاد الأوروبي ستكون عليه آثار سلبية كبيرة شهدنا أول آثارها هذا الصباح مع انخفاض الباوند إلى ١.٣٥ دولار أمريكي وهو أقل مستوى يصله منذ ١٩٨٥ بحسب التحاليل. وإذا لم تكن المكاسب الاقتصادية هي السبب للخروج من الاتحاد الأوروبي فما هي الدوافع إذا؟
يرجح الغالبية بأن الدافع الأول للخروج هو الوضع الديموقراطي المتدني للاتحاد الأوربي. حيث أن دول الاتحاد الأوروبي يجب أن تتبع سياسة الاتحاد حتى لو كانت ضد مصالحها ومثال ذلك اليونان و البرتغال وإيطاليا و أسبانيا، حيث في هذه الدول سيطرت سياسة الاتحاد الأوروبي على الشؤون الداخلية للبلد اقتصاديا وسياسيا في فترة من الفترات. في اليونان مثلا تم تجاهل التصويتات الداخلية ضد سياسة الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي وتم فرض سياسة مالية قاسية حطمت الاقتصاد لسنوات. وفي إيطاليا دعم الاتحاد عزل الرئيس سيلفيو بيرلسكوني وأخر الانتخابات لمدة سنتين بالرغم من الرغبة الشعبية وقتها لإقامة انتخابات رئاسية.
أما السبب الثاني فهو البيروقراطية (تأخير اتخاذ القرارات) فقد أثرت سلبا على الشأن الداخلي فالبلدان الأعضاء حيث لا تستطيع الدول أن تنافس فالصفقات العالمية دون أخذ الضوء الأخضر من الاتحاد الأوروبي، في وقت نمو الاقتصاد العالمي السريع فإن الدول بحاجة إلى آلية سريعة لتطبيق القرارات وفي الاتحاد الأوروبي تجد عجزا لتحقيق ذلك، فتبدأ الاقتراحات محليا حتى تقر على مستوى الدولة العضو ثم ترفع للبرلمان الأوروبي قبل تطبيقها وفي هذه المرحلة يحصل التأخير في التطبيق ولذلك أصبحت دول العالم تتجنب الدخول في اتفاقيات مع دول الاتحاد الأوروبي لمعرفتها ما يترتب عليه من بيروقراطيات وتأخير.
أما السبب الأخير فهي الهجرة الداخلية، وهي أكبر سبب أقنع اابريطانيين أن يصوتوا للخروج. حيث أن الحكومة أقنعت المواطن البريطاني بأنه يخسر وظيفته للأوروبيين المهاجرين من الاتحاد الأوروبي. بينما تتحكم الحكومة في الهجرة من خارج الاتحاد مثل العرب والروس والآسيويين إلا إنها لا تستطيع إيقاف هجرة البولنديين والفرنسيين و الأسبان مثلا. وعليه فقد تشجع الشعب للخروج حتى يحافظوا على وظائفهم بحسب اعتقادهم.
نكتفي بهذا القدر لهذا المقال وسيتبع المقال جزء ثاني بإذن الله يشرح بعض الآثار السلبية والإيجابية لهذا القرار.
الكاتب:
م. يوسف محمد مراد الجابر
ماجستير الطاقة والموارد
التاريخ: ٢٢-٦-٢٠١٦
يتحدث الإعلاميون والناس كثيرا عن قوة السياسة وتحكمها في أسعار النفط وخاصة عن طريق استغلال مبدأ العرض والطلب (demand and supply) والذي غطيناه في المقال السابق. بالرغم من أن موضوع السياسة كبير في مجال النفط كما أن النفط أساس لسياسات كثيرة معاصرة وعنصر رئيسي على طاولة النقاش السياسي، إلا إنه نادرا ما تتدخل السياسة بشكل مباشر في تغيير أسعار النفط. هذا بالطبع لا ينفي بأن بعض الأوضاع السياسية والقرارات تؤثر على أسعار النفط.
وحتى تتضح الصورة أكثر، لننظر أولا من طرف الدول المنتجة والتي تهتم بالمحافظة على أسعار مرتفعة للنفط من خلال إبقاء الإنتاج منخفضا، إذا كانت لدى هذه الدول هذه القدرة فعلا على التحكم بالأسعار فلم تنخفض أسعار النفط بالرغم عنها؟ و عليه فإن العكس صحيح بالنسبة للدول المستوردة للنفط ورغبتها بأسعار منخفضة للنفط. قد تتضح الرؤية من خلال طرح مثال على ذلك يمثل الدول المصدرة للنفط ويوضح لماذا لا نجد تلك الدول تخفض إنتاجها من النفط.
المملكة العربية السعودية تنتج بحسب التقديرات حوالي ١٠.٣ مليون برميل من النفط يوميا تصدر ٩٠٪ منه إلى السوق العالمي مع تكلفةإنتاج منخفضة للبرميل تقدر بحوالي ١٠ دولار أمريكي. قد قامت المملكة في فترة ١٩٨٠ - ١٩٨٦ بخفض انتاجها من النفط إلى ٣.٥ مليون برميل بالتضامن مع بعض دول منظمة أوبك ردا على الأسعار المنخفضة حينها في الأسواق العالمية. ترتب على ذلك نتائج سلبية وخيمة.
فإن المحافظة على حصة السوق هو السبب الأول الذي يمنع المملكة والدول المصدرة من خفض انتاجها عمدا، فقد خسرت المملكة و دول أوبك جزء من سيطرتها ومكانتها مع بدء الدول الغربية في تطوير حقول نفط لم تكن مجزية ماليا. بالإضافة فإن فترة أزمة الطاقة في السبعينات ومحاولة التحكم فالأسعار فالثمانينات دفعت دول العالم المتقدم فالتفكير جديا بفكرة أمن الطاقة (energy security) وعليه فقد عمدوا إلى تطوير انتاجهم المحلي بغض النظر عن التكلفة. [أزمة الطاقة في السبعينات سنفصله في مقال قادم بإذن الله].
أما السبب الثاني فهو اقتصادي بحت، حيث أن المملكة و الدول المعتمدة على تصدير النفط تضع رقم تصوري قبل بداية السنة المالية لمتوسط سعر البرميل فالسنة وعليه تبني ميزانية السنة. لنفرض على سبيل المثال بأن المملكة وضعت ميزانيتها متوقعة سعر ٨٠ دولار للبرميل وانهار السعر إلى ٣٥ دولار (وهو تقريبا ما حصل في ٢٠١٤) فهل من المعقول بأن تزيد المملكة من عجز ميزانيتها من خلال تخفيض صادراتها!؟
لذلك نجد بأن الحل للسعودية كان بأن تسد عجز ميزانيتها عن طريق الاحتياطات المالية. مع ضبط الميزانية للسنة التالية وتخفيض النفقات تدريجيا. دول أخرى في الخليج بادرت إلى إعادة هيكلة ميزانياتها قبل الانتظار وألغت وأجلت مشاريع ضخمة حتى تحافظ على تصنيفها المالي القوي ومنها قطر والإمارات. ختاما أرى شخصيا بأن خيار تخفيض الانتاج خيار مطروح وممكن ولكن مستبعد لأن سلبياته أكبر بكثير من إيجابياته على المدى المتوسط والبعيد.
نكتفي عند هذا القدر وأتمنى أن تكون الفكرة وضحت و بإذن الله سنستمر بتغطية نواحي مختلفة لموضوع الطاقة والموارد أسبوعيا.
الكاتب:
م. يوسف محمد مراد الجابر
ماجستير الطاقة والموارد
التاريخ ١٥-٦-٢٠١٦
يستغرب الكثير من الناس تأثير النفط وأسعار النفط على الاقتصاد العالمي وكيف تتأثر الدول النفطية بأسعار النفط وحتى الدول الصناعية، حيث أن سعر النفط المرتفع يخدم الدول النفطية ويوقف عجلة التقدم فالدول الصناعية والعكس صحيح. حيث أن السعر المنخفض يعكس الفائدة للدول الصناعية ويقلل من أرباح الدول النفطية.
يخطر هذا السؤال على بال كثير من الناس: ما الذي يؤثر على أسعار النفط ويجعلها تقفز أو تنخفض بهذه الصورة؟
الإجابة عن السؤال الأول يلزمنا فهم مبدأ العرض والطلب في الأسواق الحرة (demand and supply) حيث ينص هذا المبدأ بأن تحديد سعر السلعة خاضع لمدى توفرها مقابل مدى حاجة السوق لها، فإذا نظرنا إلى النفط كسلعة فنجد بأن الطلب عليها لازال يتزايد بدليل ارتفاعه من ٨٨ مليون برميل يوميا تقريبا في بداية ٢٠١١ إلى حوالي ٩٤ مليون برميل يوميا في منتصف ٢٠١٦ بزيادة ٦.٨٪ في ٤ سنوات. بينما شهدت نفس الفترة ارتفاعا في الانتاج من ٨٨ مليون برميل يوميا إلى ٩٦ مليون برميل يوميا وهذا سبب وجود فائض في الانتاج أدى إلى تدهور الأسعار.
مع تساوي العرض والطلب في ٢٠١١ نجد بأن أسعار النفط وصلت إلى حاجز ال ١٠٠ دولار للبرميل وهذه الزيادة أغرت الكثير من الشركات الصغيرة والناشئة للدخول في مجال النفط، ما يميز شركات النفط أنها بالرغم من مخاطرها الاستثمارية إلا إن عائداتها مجزية مما يغري المستثمرين بالمخاطرة وهذا رفع من معدلات الانتاج في السنوات التالية حتى أصبح الانتاج يتفوق على الطلب في بعض الأحيان مما تسبب في تراجع أسعار النفط الخام.
ولنا مثال على ذلك ما حصل فعلا في بداية ٢٠١٤ ولا زال مستمر حتى اليوم، حيث أن الإنتاج العالمي للنفط يفوق الطلب بحوالي ١.٥ مليون برميل يوميا مما يسبب استقرار منخفض لأسعار النفط العالمية، هذا الاستقرار سيبقى مع ارتفاعات تدريجية حتى نهاية ٢٠١٧ حيث أن هذه الأسعار لا تغري المستثمرين في المجال النفطي لتطوير مشاريع جديدة، ولكنها تغري الدول الصناعية للتفكير في تطوير مشاريع صناعية وبالتالي زيادة الطلب على النفط والذي هو عصب الصناعة في العالم.
هناك الكثير من المواضيع التي لم نتطرق لها في هذا المقال وسنقوم بتغطيتها في مقالات قادمة بإذن الله.
الكاتب:
م. يوسف محمد مراد الجابر
ماجستير الطاقة والموارد