التاريخ: ٢٢-٦-٢٠١٦
يتحدث الإعلاميون والناس كثيرا عن قوة السياسة وتحكمها في أسعار النفط وخاصة عن طريق استغلال مبدأ العرض والطلب (demand and supply) والذي غطيناه في المقال السابق. بالرغم من أن موضوع السياسة كبير في مجال النفط كما أن النفط أساس لسياسات كثيرة معاصرة وعنصر رئيسي على طاولة النقاش السياسي، إلا إنه نادرا ما تتدخل السياسة بشكل مباشر في تغيير أسعار النفط. هذا بالطبع لا ينفي بأن بعض الأوضاع السياسية والقرارات تؤثر على أسعار النفط.
وحتى تتضح الصورة أكثر، لننظر أولا من طرف الدول المنتجة والتي تهتم بالمحافظة على أسعار مرتفعة للنفط من خلال إبقاء الإنتاج منخفضا، إذا كانت لدى هذه الدول هذه القدرة فعلا على التحكم بالأسعار فلم تنخفض أسعار النفط بالرغم عنها؟ و عليه فإن العكس صحيح بالنسبة للدول المستوردة للنفط ورغبتها بأسعار منخفضة للنفط. قد تتضح الرؤية من خلال طرح مثال على ذلك يمثل الدول المصدرة للنفط ويوضح لماذا لا نجد تلك الدول تخفض إنتاجها من النفط.
المملكة العربية السعودية تنتج بحسب التقديرات حوالي ١٠.٣ مليون برميل من النفط يوميا تصدر ٩٠٪ منه إلى السوق العالمي مع تكلفةإنتاج منخفضة للبرميل تقدر بحوالي ١٠ دولار أمريكي. قد قامت المملكة في فترة ١٩٨٠ - ١٩٨٦ بخفض انتاجها من النفط إلى ٣.٥ مليون برميل بالتضامن مع بعض دول منظمة أوبك ردا على الأسعار المنخفضة حينها في الأسواق العالمية. ترتب على ذلك نتائج سلبية وخيمة.
فإن المحافظة على حصة السوق هو السبب الأول الذي يمنع المملكة والدول المصدرة من خفض انتاجها عمدا، فقد خسرت المملكة و دول أوبك جزء من سيطرتها ومكانتها مع بدء الدول الغربية في تطوير حقول نفط لم تكن مجزية ماليا. بالإضافة فإن فترة أزمة الطاقة في السبعينات ومحاولة التحكم فالأسعار فالثمانينات دفعت دول العالم المتقدم فالتفكير جديا بفكرة أمن الطاقة (energy security) وعليه فقد عمدوا إلى تطوير انتاجهم المحلي بغض النظر عن التكلفة. [أزمة الطاقة في السبعينات سنفصله في مقال قادم بإذن الله].
أما السبب الثاني فهو اقتصادي بحت، حيث أن المملكة و الدول المعتمدة على تصدير النفط تضع رقم تصوري قبل بداية السنة المالية لمتوسط سعر البرميل فالسنة وعليه تبني ميزانية السنة. لنفرض على سبيل المثال بأن المملكة وضعت ميزانيتها متوقعة سعر ٨٠ دولار للبرميل وانهار السعر إلى ٣٥ دولار (وهو تقريبا ما حصل في ٢٠١٤) فهل من المعقول بأن تزيد المملكة من عجز ميزانيتها من خلال تخفيض صادراتها!؟
لذلك نجد بأن الحل للسعودية كان بأن تسد عجز ميزانيتها عن طريق الاحتياطات المالية. مع ضبط الميزانية للسنة التالية وتخفيض النفقات تدريجيا. دول أخرى في الخليج بادرت إلى إعادة هيكلة ميزانياتها قبل الانتظار وألغت وأجلت مشاريع ضخمة حتى تحافظ على تصنيفها المالي القوي ومنها قطر والإمارات. ختاما أرى شخصيا بأن خيار تخفيض الانتاج خيار مطروح وممكن ولكن مستبعد لأن سلبياته أكبر بكثير من إيجابياته على المدى المتوسط والبعيد.
نكتفي عند هذا القدر وأتمنى أن تكون الفكرة وضحت و بإذن الله سنستمر بتغطية نواحي مختلفة لموضوع الطاقة والموارد أسبوعيا.
الكاتب:
م. يوسف محمد مراد الجابر
ماجستير الطاقة والموارد
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق